التنوع العسكري المصري: قراءة تحليلية في تطور العقيدة والقدرات

بقلم / وليد خضر
محرر شئون سياسية وعسكرية
شهدت المؤسسة العسكرية المصرية تطورًا كبيرًا منذ منتصف القرن العشرين، سواء على صعيد التنظيم، أو التسليح، أو العقيدة القتالية. ويُعد التنوع العسكري من أبرز سمات هذا التطور، إذ اعتمدت مصر على تعدد مصادر التسليح، وتبني عقائد مختلفة، مما أكسبها مرونة استراتيجية وقدرة على التكيف مع التحديات المتغيرة إقليميًا ودوليًا.
أولًا: مفهوم التنوع العسكري
يقصد بالتنوع العسكري تعدد مصادر التسليح والتدريب والعقيدة العسكرية، بما يمنح الجيش قدرة على المناورة والتوازن في العلاقات الدولية، فضلًا عن تقليل الاعتمادية على طرف واحد في مجال التسلح. ويظهر هذا المفهوم جليًا في العقيدة المصرية الحديثة التي تمزج بين أنظمة شرقية وغربية.
ثانيًا: مراحل تطور العقيدة العسكرية المصرية
- المرحلة السوفيتية (1955 – 1973):
- اعتمدت مصر بشكل شبه كامل على السوفييت في التسليح والتدريب.
- تم بناء سلاح الطيران والمدرعات على النمط الشرقي.
- تم خوض حرب أكتوبر 1973 بمعظم الأسلحة السوفيتية (مثل ميج-21، تي-62).
- الانفتاح على الغرب (منذ الثمانينات):
- دخول أسلحة أمريكية مثل F-16 وM1A1 Abrams.
- شراكات تدريبية مع الناتو.
- المشاركة في تدريبات “النجم الساطع” المشتركة.
- المرحلة التعددية الحديثة (2014 – الآن):
- صفقة الرافال الفرنسية، وحاملات الميسترال.
- غواصات ألمانية حديثة (Type 209/1400).
- رادارات وأنظمة دفاع جوي روسية متطورة.
- أنظمة اتصالات وأقمار صناعية فرنسية وألمانية.
ثالثًا: فوائد التنوع العسكري
- استقلال القرار العسكري: عبر تقليل التبعية لأي جهة.
- مرونة تشغيلية: عبر الدمج بين أنظمة ذات أصول مختلفة.
- توازن دبلوماسي: من خلال بناء علاقات عسكرية مع قوى متعددة (الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، ألمانيا…).
- تطوير كوادر بشرية متنوعة التدريب.
رابعًا: التحديات الناتجة عن التنوع
- التكامل اللوجستي: صعوبة دمج أنظمة تشغيل متعددة.
- تكاليف الصيانة العالية: لاختلاف قطع الغيار والبرمجيات.
- تعقيد التدريب والتأهيل.
لكن بالرغم من هذه التحديات، نجحت القوات المسلحة المصرية في تطوير منظومة صيانة وتصنيع جزئي، ودمج أنظمة القتال والتدريب المشترك باحترافية، مما جعل الجيش المصري يحتل مرتبة متقدمة في تصنيف أقوى جيوش العالم (وفقًا لموقع Global Firepower، 2024).
خامسًا: مصر ونموذج الردع الإقليمي
أصبح الجيش المصري نموذجًا في تنويع القدرات لتحقيق الردع، خصوصًا مع:
- تنمية قوات التدخل السريع.
- تطوير القوات البحرية لتأمين البحر الأحمر والمتوسط.
- تحديث قوات الدفاع الجوي كخط دفاع أول.
سادسًا: التحول نحو الشراكة الصينية في التسليح
من أبرز ملامح التنوع المعسكري المصري في العقد الأخير هو الاتجاه المتسارع نحو الصناعات الدفاعية الصينية، كبديل جزئي أو مكمل للمنظومات الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، وذلك لعدة اعتبارات:
- أسباب التحول:
- القيود السياسية الأمريكية: مثل تعليق أو تأخير بعض صفقات السلاح بسبب اعتبارات سياسية أو حقوقية (كما حدث في 2013 و2016).
- المرونة الصينية في التوريد والتمويل: تقدم الصين عروض تسليحية أقل تكلفة وبشروط مرنة.
- التكنولوجيا المتقدمة في مجالات محددة: مثل الطائرات بدون طيار، أنظمة الرصد، وحرب السيبرانية.
- أمثلة على التعاون العسكري المصري-الصيني:
- الطائرات بدون طيار Wing Loong II: دخلت الخدمة ضمن القوات الجوية المصرية، وتُستخدم في الاستطلاع والضربات الدقيقة.
- أنظمة الاتصالات والتشفير: تعاون مع شركات صينية مثل “هواوي” و”ZTE” في بعض البنى التحتية الدفاعية.
- المشاركة في المعارض والتدريبات المشتركة: مثل معرض EDEX الذي شاركت فيه الصين بقوة، وتوقيع مذكرات تفاهم دفاعية متقدمة.
- أثر التحول على العقيدة المصرية:
- تحرر استراتيجي من الهيمنة الأمريكية.
- تعزيز قدرات الردع والتصنيع المحلي بالتعاون مع الصين.
- دخول مصر في شبكات دفاعية بديلة تخدم مصالحها في إفريقيا والشرق الأوسط.
خاتمة