القوات المسلحه

تطور السيبروعسكرية المصرية

بقلم / وليد خضر 

محرر شئون سياسية وعسكرية 

حين تصبح الحرب بضغطة مفتاح

في عام 2010، تسلّل فيروس غامض يُدعى Stuxnet  إلى منشأة “نطنز” النووية الإيرانية. لم يكن فيروسا عاديًا، بل سلاحًا سيبرانيًا معقّدًا يُعتقد أنه صُمم خصيصًا من قبل أجهزة استخبارات غربية. خلال أسابيع قليلة، دمّر أكثر من 1000 جهاز طرد مركزي، مسببًا تعطيلًا استراتيجيًا في برنامج إيران النووي دون أن تُطلق رصاصة واحدة.
أظهر هذا الهجوم أن المستقبل لن يشهد فقط حروبًا جوية أو برية، بل صراعًا على السيادة الرقمية، حيث يكون “الكود” أخطر من “المدفع“.

وبعدها بأكثر من عقد، وفي الساعات الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، انهالت عشرات الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الأوكرانية. الفيروس المدمر WhisperGate   والذي تم تصميمه لمسح البيانات من أجهزة الحاسوب وتدمير البنية التحتية البرمجية تمامًا، كما لو أن الهدف “انفجر إلكترونيًا“.
خلال أقل من 48 ساعة، تعطلت البنوك الكبرى، وشبكات الكهرباء جزئيًا، وتوقفت عدة مؤسسات حكومية علي أثر مسح بيانات حكومية، وأصاب أنظمة الطاقة والمصارف، مما تسبب بشلل إلكتروني في مفاصل البلاد.
أصبحت الحرب تُدار على شاشات مشفرة، تُطلق فيها الأوامر من خلف شاشات لا من فوهات البنادق، فيما يُعرف اليوم بـ الحرب السيبرانية الشاملة“.

كشف الهجوم عن حقبة جديدة من الحروب، لا تعتمد على صواريخ أو دبابات، بل على أسطر من الكود تُكتب داخل غرف سرية، ويُعاد توجيهها لتصيب البُنية التحتية الحيوية للخصوم. ومنذ ذلك الحين، بدأت الجيوش تتسابق ليس فقط في عدد الطائرات أو الغواصات، بل في عدد المبرمجين والخبراء السيبرانيين ضمن صفوفها.

ومن هذا المنظور العالمي، أدركت القيادة العسكرية المصرية أن الأمن القومي لم يعد مرتبطًا فقط بحماية الحدود، بل بحماية الشبكات، المعلومات، والبيانات… فكانت الانطلاقة نحو بناء عقيدة سيبرانية وطنية متكاملة. أظهرت هذه الهجمات أن “السيطرة على الأرض تبدأ من السيطرة على الفضاء الرقمي”، وأن الحروب الحديثة لم تعد تبدأ بضربة جوية، بل بضربة على شيفرة برمجية داخل شبكة داخلية، غالبًا من دون إنذار.

في ظل التهديدات المتصاعدة في الفضاء الرقمي، باتت الدفاعات السيبرانية تمثل خط الدفاع الأول لأي جيش حديث، ومصر لم تكن بمنأى عن هذا التحول العالمي. فقد شهدت العقيدة العسكرية المصرية تطورًا ملحوظًا خلال العقد الأخير عبر دمج تقنيات الحرب السيبرانية ضمن بنية القوات المسلحة، مما يؤكد توجه الدولة نحو بناء قوة رقمية رادعة ومتكاملة. وأدركت المؤسسة العسكرية المصرية خطورة الهجمات السيبرانية ومدى قدرتها على شل الدول في زمن الحرب والسلم، فبدأت في بناء عقيدة سيبرانية متكاملة، لا تقتصر على الدفاع، بل تشمل الردع والهجوم الوقائي.

 

 

التحول المصري نحو الأمن السيبراني العسكري

بدأت مصر منذ عام 2014 في تطوير قدراتها السيبرانية، وتحديدًا بعد حوادث اختراقات إلكترونية استهدفت مؤسسات سيادية وبُنى تحتية حساسة. ومنذ ذلك الحين، تحركت الدولة بخطوات استراتيجية

 إنشاء وحدات متخصصة في الحرب السيبرانية

بدأت المؤسسة العسكرية المصرية بتشكيل قيادة خاصة للدفاعات السيبرانية يُعتقد أنها تعمل تحت إشراف هيئة نظم المعلومات. وتم تجهيزها بكوادر من مهندسين عسكريين ومختصين في أمن الشبكات، مع دعم تقني من مراكز تطوير برمجيات تابعة للجيش.

  التعاون الإقليمي والدولي

  • تدريبات مشتركة مع دول مثل فرنسا والصين وروسيا في الأمن الرقمي.

  • اتفاقيات لتبادل المعلومات مع مراكز أمنية مثل INTERPOL Cybercrime Unit.

  • مشاركة مصرية فعالة في معارض الدفاع السيبراني مثل EDEX   وGISEC.3. تطوير برمجيات دفاعية محلية

  • أنظمة لرصد الهجمات الرقمية وتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي.

  • تطبيقات للتشفير العسكري وتأمين قنوات الاتصال داخل وحدات الجيش.

  • تطوير جدران نارية وطنية ومراكز تعافي من الكوارث السيبرانية.

  • ضمن التشكيلات الحديثة بالقوات المسلحة، تم الإعلان غير الرسمي عن قيادة تختص بإدارة الفضاء السيبراني.

  • يُعتقد أنها تعمل تحت إشراف هيئة “نظم المعلومات” التابعة لوزارة الدفاع.

دمج السيبرانية في العقيدة القتالية

أصبحت العمليات السيبرانية جزءًا من تدريبات الجيش المصري، مثل المناورة الكبرى “قادر”، حيث تم محاكاة اختراقات محتملة لأنظمة القيادة والسيطرة وكيفية مواجهتها. كما باتت أنظمة التسليح الحديثة – من الدرونات إلى الدفاع الجوي – تُصمّم بوحدات حماية سيبرانية داخلية. أولًا: السياق العالمي والتحول في مفاهيم الأمن والتي استخلصتها قواتنا المسلحه في العديد من النقاط الهامه وهي :

  • لم تعد الحروب تُخاض فقط بالسلاح التقليدي، بل أصبحت المعلومات، والشبكات، والبيانات، هي السلاح الجديد.

  • وفقًا لتقارير الناتو والاتحاد الأوروبي، أصبحت الحرب السيبرانية من أخطر أدوات الردع والهجوم.

  • جيوش العالم اليوم تبني “قيادات سيبرانية” مستقلة على غرار USCYBERCOM  الأمريكية.

التحديات أمام الدفاعات السيبرانية المصرية

  1. الاعتماد النسبي على أنظمة أجنبية ما زال يمثل ثغرة محتملة.

  2. الحاجة المستمرة لتدريب الكوادر بما يواكب سرعة تطور البرمجيات الخبيثة.

  3. توسع الجبهة السيبرانية لتشمل الحرب النفسية والإعلامية.

  4. نقص الكفاءات المتخصصة محليًا.

  5. الاعتماد النسبي على البرمجيات الأجنبية.

  6. التحديث المستمر: نظرًا لتطور الفيروسات والبرمجيات الخبيثة بوتيرة متسارعة.

لكن رغم هذه التحديات، حققت مصر تقدمًا ملموسًا، حيث صنّفها مؤشر الأمن السيبراني العالمي (ITU 2022) ضمن الدول التي لديها بنية تشريعية وتنظيمية متقدمة.

إنشاء القيادة السيبرانية المصرية  بتعاون دولي لبناء القدرات السيبروعسكريه

  • تدريبات مشتركة مع دول مثل فرنسا، الصين، وروسيا في مجال الأمن الرقمي.

  • تبادل خبرات مع مؤسسات مثل INTERPOL Cybercrime Unit.

  • إنشاء وحدات متخصصة ضمن الكليات العسكرية لتدريس الحرب السيبرانية

  •  برمجيات ومنصات دفاعية مصرية

  • تطوير منصات رصد وتحليل التهديدات الإلكترونية محلية الصنع.

  • استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل السلوكيات المشبوهة على الشبكات.

  • حماية أنظمة التسليح الرقمية من الاختراق عبر جدران نارية مشفّرة ومعايير تشفير عسكرية.

 التطبيقات الدفاعية السيبرانية الفعلية

  • حماية البنية التحتية الرقمية: الدفاع عن شبكات الكهرباء، المياه، البنوك، والطيران.

  • مراقبة وسائل التواصل: لمنع الحملات النفسية وحروب المعلومات.

  • الردع الرقمي: عبر تطوير قدرات هجومية سيبرانية تُعرف بـ “Cyber Strike Units”.

التكامل مع العقيدة القتالية التقليدية

  • تقوم مصر بدمج الدفاع السيبراني في التدريبات العسكرية الكبرى مثل “قادر” و”النجم الساطع“.

  • يتم التعامل مع الفضاء الرقمي كساحة قتال متكاملة مع البر والبحر والجو.

خاتمة:

تُظهر التجربة المصرية في تطوير الدفاع السيبراني وعيًا عسكريًا واستراتيجيًا عميقًا بمقتضيات العصر الرقمي. فمع كل تقدم تقني، تفتح جبهة جديدة من التحديات، ومصر تعمل بخطى واثقة لتحصين أمنها الوطني ليس فقط عبر الحدود المادية، بل عبر بوابات البيانات والمعلومات

ولم تعد الجيوش تُقاس فقط بعدد الدبابات أو الطائرات، بل بعدد المهندسين السيبرانيين الذين يحرسون الوطن من خلف شاشات الحاسوب.
وفي ظل التحولات الجيوسياسية المعقدة، أثبتت مصر أنها تتحرك برؤية استراتيجية لبناء جيش لا يُقهر فقط في البر والبحر والجو، بل أيضًا في الفضاء الرقمي.

اترك التعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قد يعجبك أيضاً

القوات المسلحه بقلم رئيس التحرير

ردع 2024: مناورة عسكرية مصرية تعكس القوة والجاهزية لحماية الوطن

شهد الفريق أول / عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى تنفيذ النشاط التدريبى "ردع 2024"