هَدايا العرب لنتنياهو
بقلم: وليد خضر
بينما تتسارع الأحداث في الإقليم وتتصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية، تبدو المنطقة العربية وكأنها تسير في اتجاهٍ يعاكس منطق التاريخ والجغرافيا. فبدلاً من أن تتوحد الجهود لمواجهة التحديات المشتركة، تتعمق الخلافات بين القوى العربية الكبرى، وعلى رأسها مصر والسعودية، في مشهدٍ يبدو كأنه هدية مجانية على طبقٍ من ذهب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعيش أسوأ أزماته الداخلية ويبحث عن أي متنفس خارجي يعيد إليه توازنه السياسي.
توتر مكتوم وتباين في المواقف
رغم العلاقات الرسمية المستقرة بين القاهرة والرياض، فإنّ الواقع يُظهر وجود تباين واضح في ملفات إقليمية عديدة، أبرزها القضية الفلسطينية، والملف اليمني، والعلاقات مع إيران وتركيا، ومشروعات البحر الأحمر والطاقة.
مصر تنطلق من رؤية قائمة على ضبط الإيقاع الإقليمي عبر الحلول الدبلوماسية، في حين تميل السعودية أحيانًا إلى مقاربات أكثر جرأة وسرعة في تغيير التحالفات. هذا التباين لا يعني بالضرورة عداءً، لكنه يكشف غياب التنسيق الاستراتيجي الذي كان يومًا ما عماد النظام العربي.
إسرائيل المستفيد الأول
في خضم هذا المشهد، تُطل إسرائيل كأكبر الرابحين.
فكلما اتسعت هوة الخلاف العربي، تقلصت فرص بناء جبهة موحدة قادرة على فرض توازن في المنطقة أو الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
نتنياهو يدرك تمامًا أن أي تصدع في العلاقات بين القاهرة والرياض يُضعف الموقف العربي في ملفات الأمن الإقليمي، ويفتح الباب أمام تمدد النفوذ الإسرائيلي سياسيًا واقتصاديًا وحتى أمنيًا في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
كما أن تل أبيب تسعى لاستغلال هذه اللحظة لتوسيع شبكة التطبيع الاقتصادي والاستخباراتي مع بعض الدول الخليجية، في ظل انشغال القوى العربية الكبرى بخلافاتها البينية.
السوشيال ميديا.. ساحة مفتعلة للخلاف
ما يُلاحَظ مؤخرًا من حملات هجوم متبادل بين بعض رواد التواصل الاجتماعي في مصر والسعودية لا يُعبّر عن حقيقة العلاقات بين الشعبين، بل هو في الغالب نتاج لجان إلكترونية منظَّمة تعمل على إشعال الفتن وبث الكراهية بين الأشقاء.
هذه الحسابات الوهمية تُحاول تضخيم أي اختلاف سياسي وتحويله إلى صدام شعبي، في حين أن العلاقات بين الشعبين المصري والسعودي كانت ولا تزال علاقات متجذّرة تقوم على الاحترام والتاريخ والمصير المشترك.
وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أهميتها، لا يمكن أن تكون معيارًا للحقيقة، بل أحيانًا تُستغل كسلاح ناعم في الحرب النفسية لزرع الشكوك بين الحلفاء.
الفراغ العربي.. والطرف الثالث
حين يغيب التنسيق بين مصر والسعودية، يُفتح المجال أمام قوى أخرى — إقليمية ودولية — لملء هذا الفراغ.
تركيا وإيران تسعيان لتعزيز نفوذهما في ملفات كانت تاريخيًا تحت المظلة العربية، فيما تراقب واشنطن المشهد دون تدخل حقيقي، مستفيدة من استمرار الانقسام لضمان بقاء كل الأطراف في حاجة إلى الدعم الأمريكي.
وهنا تتحول المنطقة إلى ساحة تنافس مفتوحة، تكون فيها إسرائيل اللاعب الأكثر ذكاءً وقدرة على التحرك بين الفجوات العربية.
الطريق نحو استعادة البوصلة
التاريخ يؤكد أن الأمن القومي العربي لا يُبنى على التنافس بين العواصم، بل على التكامل.
وأي صدام — حتى وإن كان غير معلن — بين القاهرة والرياض، لا يخدم إلا طرفًا واحدًا: إسرائيل.
إن تجاوز الخلافات يتطلب حوارًا استراتيجيًا صادقًا يعيد التفاهم حول القضايا الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي كانت يومًا ما البوصلة الجامعة.
أما استمرار التباعد، فسيبقى بمثابة “هدية ثمينة” لنتنياهو، تُطيل عمر مشروعه التوسعي وتمنحه غطاءً عربيًا من الصمت والانقسام.

