مقالات وتحقيقات

ما بين الظالم والمظلوم: قانون الإيجار القديم في مصر

كتب /أحمد الشرقاوي 

في قلب الصراع الممتد لعقود، يقف قانون الإيجار القديم في مصر كأحد أكثر القوانين إثارةً للجدل، حيث تتشابك فيه خيوط العدل والمظلومية، وتتداخل الحقوق مع الواجبات. فهل المستأجر الذي يدفع جنيهات معدودة مقابل سكن في قلب القاهرة هو ظالم؟ أم أن المالك الذي لا يستطيع الاستفادة من أملاكه هو المظلوم؟ أم أن الحقيقة، كالعادة، أكثر تعقيدًا من تصنيفٍ ساذج بين ظالم ومظلوم؟

جذور الأزمة

نشأ قانون الإيجار القديم في فترة تاريخية كانت فيها الدولة تتدخل بقوة لتنظيم السوق العقاري، في محاولة لحماية الطبقات الفقيرة من جشع بعض الملاك. فتم تثبيت القيمة الإيجارية، وامتد العقد ليشمل الورثة، فخلق هذا الوضع حالة من الجمود العقاري عطلت حركة التطوير والاستثمار لعقود طويلة.

المالك… بين الحق والقيود

العديد من الملاك اليوم ورثوا عقارات لا يستطيعون التصرف فيها، أو تحصيل عائد عادل من إيجارها. منهم من يعيش في ظروف مادية صعبة، بينما يسكن مستأجر عقاره في موقع متميز بإيجار لا يتجاوز عشرات الجنيهات. يشعر هؤلاء أن حقوقهم مصادرة، وأنهم رهائن لقانون تجاوز عمره المنطقي.

المستأجر… بين الأمان واتهام الظلم

على الجانب الآخر، هناك مستأجرون يعيشون في هذه العقارات منذ نصف قرن أو أكثر، بنوا حياتهم وذكرياتهم فيها. كثيرون منهم من الطبقة المتوسطة أو كبار السن، لا يستطيعون تحمل أعباء الإيجار الجديد أو شراء سكن بديل. يرون أن إلغاء القانون سيؤدي إلى تشريدهم وإلقائهم في المجهول.

هل من حل عادل؟

المعضلة الحقيقية ليست في وجود ظالم أو مظلوم فقط، بل في وجود نظام فقد توازنه، وأصبح عبئًا على الجميع. المطلوب اليوم ليس انتصار طرف على حساب الآخر، بل إيجاد حل مرحلي عادل، يراعي حقوق الملكية وفي الوقت نفسه يحفظ كرامة الساكن وحقه في المسكن.

يمكن تحقيق ذلك من خلال:

  • فتح باب التصالح بين المالك والمستأجر وفقًا لقواعد واضحة.

  • تقديم دعم حكومي للمستأجرين غير القادرين حال رفع القيمة الإيجارية.

  • منح مهلة انتقالية قبل التطبيق الكامل لأي تعديلات قانونية.

  • سن قانون جديد يوازن بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

خاتمة

قانون الإيجار القديم لم يعد مجرد نص قانوني، بل هو قضية إنسانية بامتياز. ما بين المالك والمستأجر، ما بين الظالم والمظلوم، هناك وطن يبحث عن العدل، وعدالة لا تظلم أحدًا. الحل ليس في كسر طرف لصالح آخر، بل في ترميم النظام بأكمله، على أساس من التوازن والرحمة والعقل.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قد يعجبك أيضاً

مقالات وتحقيقات

مساوئ الحجز الإلكتروني المسبق لعيادات التأمين الصحى: تحليل الواقع والمسؤوليات

كتب / علاء الشيخ  مساوئ الحجز الإلكتروني المسبق لعيادات التأمين الصحى: تحليل الواقع والمسؤوليات في ظل التوجه العام نحو الرقمنة
مقالات وتحقيقات

الطاقه في 2030 مملكة مضيئة

حسام البيوك – مستشار مالي وضريبي صناعة الطاقة اقتصاد برؤية وطنية هي منظُومة ذات تأثير أوسع للأعمال والأسرع تنفيذًا لمشاريعها